إشكاليات التقاضي بالمحاكم وآثارها على النساء في ظل جائحة كوفيد 19

 اللجوء للقانون واالحتكام إليه هو جزء أساسي من السلم االجتماعي فعندما يلجأ المواطنين/ات إلى القانون للحصول على حقوقهم ، أو الفصل فيما بينهم أو حتى الفصل بينهم/ن ، وبين مؤسسات الدولة أو المؤسسات االعتبارية فهم/ن في حقيقة األمر يحافظوا على حقوقهم/ن وحقوق الغير ويؤكدوا على أن سيادة القانون هو المنظم للحياة الاجتماعية ، االقتصادية ، والسياسية فيما بينهم/ن. ومع مطلع عام 2019 كان لجائحة وباء كوفيد 19أ ثارها على آليات التقاضي في المحاكم فبعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية أن وباء كورونا هو جائحة تمثل خطر شديد على سكان العالم وأوصت بان تتخذ الحكومات حول العالم تدابير احترازية من شانها حماية المواطنين ، استجابت الحكومة المصرية في مطلع مارس عام 2019 وأعلنت اإلغالق الجزئي لألنشطة االقتصادية إلى جانب تعطيل العمل ببعض المنشات الحكومية ، أو تخفيض عدد العاملين/ات ومن بين تلك اإلجراءات تم تعطيل العمل بالمحاكم المختلفة تخوفا من تفشي الوباء ، مما كان له آثار سلبية على مصالح المواطنين ، وفي القلب منها النساء الالتي تعرضن ألشكال مختلفة من العنف سواء ارتفاع معدالت العنف األسري ضدهن ،أو انخفاض مستوى الدخل ، أو تحمل مسئولية األوالد وحدهن ، وسط إجراءات إدارية تساهم في المزيد من العنف الموجه ضدهن. كما يواجه المحامون/ المحاميات العديد من اإلشكاليات أثناء سير الدعاوى القضائية أمام المحاكم حتى الحصول على األحكام القضائية ، فما بين التعقيدات اإلدارية في إتمام ملف القضايا حيث تساهم بشكل واضح في عرقلة سير هذه الدعاوى ، بالرغم من أن هناك تطورا ملحوظا في سرعة إصدار اإلحكام إال أنه على الجانب اآلخر مازالت العراقيل اإلدارية سببا مباشرا في ضعف أو فقدان النساء حقوقهن في التقاضي . من اإلشكاليات التي تواجهها النساء إمام القضاء : تواجه النساء مشكلة ب ْطء أو السرعة الشديدة فى إجراءات التقاضي أمام المحاكم فما بين تأجيل الجلسات ألشهر عديدة ، أو التأجيل لمدة أقل من المطلوب لتنفيذ اإلجراءات المطلوبة وخاصة في قضايا النفقات ، ففي حالة التأجيل بالشهور يتم تعطيل المدعية من الحصول على الحكم سريعا مما يؤخر مستحقاتها المالية ، وكذلك في حالة السرعة الشديدة مع وجود طلبات الستكمال الشكل في الدعوى مثل خطاب التحريات ، أو اإلعالن بأمر الدفع ، أو غيره من الطلبات التي تلزم أثناء سير الدعوى ، مما يترتب عليه عدم تنفيذ القرارات المطلوبة من المتقاضية ، وبالتالي الجزاءات التي تقع على المدعية أثناء سير الدعوى مثل الوقف الجزائي للدعوى أو تغريم المدعية ، وتمثل تلك الحالة حجر عسر أمام قطاع واسع من النساء خاصة صاحبات الدخل المنخفض منهن ، أو الحاصالت على قسط ضئيل من التعليم ، أو األميات ، فيكون واقع األمر عليهن أكثر عنفا في ظل عدم قدرتهن سواء المادية ، أو النفسية على االستمرار في مراحل قضائية شديدة التعقيد تنعكس بالسلب على قدرتهن في استمرار مهام الحياة التي أصبحت على عاتقهن سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى رعاية صغارهن. بين البيروقراطية والعيوب اإلدارية حقوق مهدورة : يواجه المحامين/ات والمتقاضين/ات معاملة سيئة من بعض الموظفين/ات أثناء سير الدعاوى بكافة مراحلها بما فيها عدم التزام بعض الموظفين بمواعيد العمل الرسمية ، مثل التأخير عن مواعيد العمل ، أو إنهاء العمل مبكرا ورفض التعامل مع المحامين/ات ، والمتقاضين/ات، وعدم تواجد بعض الموظفين/ات بشكل دائم إلتمام األعمال المطلوب إنجازها للدعاوى قبل الجلسات القادمة . تصبح النساء أمام فرص متزايدة لفقدان حقوقهن في التقاضي الذي يمكن أن يساهم في حماية حقوقهن االجتماعية ، االقتصادية ، وحقوق أطفالهن ، ويتضح ذلك جليا في عدم إتمام المحضرين لإلعالنات بصورة جيدة ، مما يترتب عليه تأخير الدعوى ألن بعض القضاة تحاسب المحامين على اإلعالنات ، وإتمامها بصورتها الصحيحة رغم أن ذلك ليس من اختصاص عمل المحامين بل من اختصاص المحضرين . وفق الغالبية العظمي من المحامين تأتي مشكلة خطاب التحريات المرتبط بتحديد دخل الرجل كجزء أساسي من تحديد قيمة النفقة ، والذي يطلب من المدعية إنجازه ، وفي تلك الحالة تلجأ النساء إلى أقسام الشرطة للتحري عن دخل الزوج ، أو الطليق ، أو تلجأ إلى جهة العمل إذا كانت معلومة لديها وتواجه النساء في تلك الحالة إشكاليات شديدة التعقيد تتمثل في قرب الجلسة ، وعدم إتمام الخطاب فى الوقت المحدد ، أو مواجهة المدعية مع المدعى عليه في أماكن العمل مما يسبب لها فقدان حقوقها المادية أو الحصول عليها ،ويتضح ذلك في قدراتهن في الوصول لصورة من مستندات بنك ناصر في دعوى الحبس أو زيادة النفقات . وعلى جانب أخر فان تعدد الرسوم في الدعوى الواحدة باإلضافة إلى رسم قيد الدعوى مثل رسم إعادة اإلعالن ، ورسم صورة من محضر الجلسة ، أو أي رسوم إضافية لتنفيذ طلبات القضاة في سير الدعوى يسبب عبئا ماديا شديدا على النساء في قضايا األحوال الشخصية التي يفترض أن تكون الرسوم القضائية الخاصة بها بسيطة لرفع العبء عن كاهلهن ، باإلضافة إلى بطء اإلجراءات اإلدارية مما يتسبب في التزاحم ، التكدس على شباك الخزنة ، وتعرض المتقاضين/ات لمعاملة سيئة تصل إلى المشاجرات ، والتشابك باأليدي في بعض األحيان . ووسط التكدس الكبير داخل المحاكم المختلفة تظهر مشكلة عدم توافر أماكن أدمية تمكن للمحامين/ات ، والمتقاضين /ات ، من متابعة الدعاوى ، وتأدية عملهم/ن اإلداري بصورة جيدة . أما العمل اليومي داخل المحاكم هو جزء من المجال العام والذي تتعرض فيه النساء ألشكال متنوعة من العنف المبني على النوع االجتماعي خاصة التحرش بكافة أشكاله فتتعرض بعض المحاميات للتحرشات اللفظية من قبل بعض الموظفين ، أو المترددين على المحاكم ، وكذلك بعض زمالء العمل من الرجال ، ولألسف الشديد ال تستطيع المحاميات التعبير عن إستيئاهن من هذا النوع من التحرش خشية من الترصد من الموظف ، أو أصدقائه لتلك المحامية بعد ذلك وتعطيل عملهن وبالتالى ضياع حقوق موكالتها . التوصيات : تري مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون انه يجب اتخاذ بعض التدابير اإلجرائية التي يمكن لها أن تساهم في تفادي بعض اإلشكاليات التي توجه النساء أثناء التقاضي فى ظل استمرار جائحة كوفيد 19 وهى : أوال : يجب أن يحدد لكل دعوى مدة كافية يلتزم بها كل من القضاة والمحامون . ثانيا : وضع خطة إدارية تساهم في التزام الموظفين بمواعيد العمل الرسمية مع توفير عدد كافي من الموظفين للمساعدة في حل مشكلة تكدس القضايا التي تقع على عاتق عدد من الموظفين ال يتناسب مع عدد القضايا. ثالثا: أن يتم التعامل بين القضاة ، المحضرين مباشرة ، وعدم تدخل المحامين ، أو المدعين مما يضمن نزاهة إتمام اإلعالنات ويرفع نوعا من العبء من على عاتق النساء. رابعا : أن يتم تخصيص قسم بمحكمة األسرة إلنجاز خطابات التحريات ، والتواصل مع بنك ناصر للحصول على نسخة من المستندات ، أو التأكد من استالمها في الدعاوى التي تتطلب ذلك . خامسا : تجميع كل الرسوم التي تتطلبها كل دعوى ويتم دفعها مقدما عند إقامة الدعوى . سادسا : العمل على توفير أماكن أدمية تمكن/ المحامين/ات من تأدية عملهم/ن . سابعا : وضع سياسات،وإجراءات تتعلق بحماية النساء من المحاميات ، أو أصحاب المصلحة ، أو الموظفات من تعرضهن للتحرش بهن أثناء تواجدهن داخل المحاكم ، وتمكينهن من إثبات الواقعة حال حدوثها ، وأخذ خطوات جدية في حالة رغبة الناجية في تحرير محضر بالواقعة . ثامنا : تفعيل دور التكنولوجيا في مجال عمل المحاكم ، والدعاوى القضائية أسوة باستخدامها في مجاالت عدة كمجال التعليم والصحة وغيرهما، فيتم عن طريقهم، على سبيل المثال، تقديم الطلبات الخاصة ببدء الدعوى أمام مكاتب تسوية المنازعات األسرية ، وقيام المحاكم المختلفة بتوفير معلومات القضايا ، والقرارات والتأجيالت الخاصة بالجلسات في الدعاوى على الموقع اإللكتروني للوزارة ،وعقد الجلسات عن بعد باستخدام برامج التكنولوجيا المختلفة وانتهاء بإصدار األحكام وذلك للتيسير على المحامين/ات والمتقاضين/ات من جهة ، وللحد من انتشار الفيروس ومقومات السالمة الصحية وتطبيق التباعد االجتماعي من جهة أخرى. مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون