لتعامل مع النساء بين السلوك المهني والحق في الصحة

ا

 

ورقة بحثية مقدمة من الباحث في السياسات الصحية أ. الهامي الميرغني، وقدمها في جلسة الحوار الثانية "من اجل سياسات صحية تراعي النوع الاجتماعي وإصدار مدونة السلوك المهني لمقدمي الرعاية الطبية في التعامل مع النساء أثناء تلقي الرعاية الطبية" والمنعقدة بفندق سفير بالجيزة يوم 8 سبتمبر 2019 والتي نظمتها مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون.

 

مقدمة :

لا شك أن النساء يعانون من إهمال طبي أكثر من غيرهم من فئات المجتمع وأن مراكز الرعاية الصحية لا تقدم الخدمات الصحية المطلوبة بمستوي الجودة والاتاحة كحق في الصحة للنساء وللرجال ايضاً. ومن المؤكد وجود تمييز ضد النساء في كل نواحي الحياة في مصر. وليس في مجال الصحة فقط . ولكني اختلف مع كون التمييز ضد النساء مجرد مسألة اخلاقية ومهنية فقط فهذا يعد تسطيح للقضية وانحراف عن دراسة اسبابها الحقيقية سواء في منظومة الصحة المريضة في مصر أو في مقدمي الخدمة الصحية والذين يعانون مثلهم مثل المرضي من ضعف التمويل ونقص الإمكانيات وضغط العمل وعدم وجود مكان عمل مهئ وكذلك في تدني الوعي والثقافة الصحية لدي النساء.

إن الطبيب الذي يعمل في ظروف بالغة القسوة ومكان غير مهيأ وملزم بمناظرة عشرات المرضي خلال ساعات العمل وهو يتقاضي بضع جنيهات لا تكفي التغطية احتياجاته الاساسية لا يمكن ان ننظر لتقصيره او حدته باعتبارها مسألة اخلاقية يمكن اصلاحها بمدونة سلوك فتلك كارثة أكبر وأكثر فداحة.

والمراة التي تعاني الاستبعاد والتهميش والنظرة الدونية والمحاطة بكل قيم التخلف والعبودية لن يجدي معها مليون مدونة سلوك لمعاملتها بشكل أفضل. واذا ضيقنا مجال البحث لنتحدث عن النساء الفقيرات والنساء المعيلات سنجد الصورة أشد قبحاً. أما اذا أصيبت هذه السيدة الفقيرة بمرض فإن مواجهة المرض من خلال الوحدات الصحية الحكومية والخيرية هو طريقها الوحيد للعلاج ومن ثم لا تتوقف كثيراً عند سوء المعاملة ولا يعنيها وجود مدونة للسلوك أم لا. بل جل ما يعنيها هو ان تجد مكان مهيئ لاستقبالها وذلك لن تحله مدونة السلوك. وطبيب مستعد ان يسمع شكواها ولديه وقت كاف وعدد مناسب لمناظراتهم من المرضي ويفحصها بهدؤ ويقدم لها الدعم اللازم . وهي بحاجة لأن تجد أدوية مجانية في صيدلية المستشفي أو الوحدة الصحية دون ان تتحمل اعباء لا تطيقها ، وبحاجة لأن تجد سرير في المستشفي حين تحتاج الي فحوص سريرية ، وبحاجة لدور قريب في العمليات الجراحية لتخفيف الامها وكل ذلك لا يرتبط بسلوك الأطباء واخلاقهم المهنية بقدر ما يرتبط بنظام اقتصادي واجتماعي شامل ومنحاز للأغنياء وبقدر ما يرتبط بنظام صحي مريض.

لذلك فإن الحديث عن السلوك المهني هو حديث يمكن ان يصدر عن أجانب يتحدثون عن مصر ولا يصدر عن مصريين يعيشون معنا ويتلقون خدمات صحية في المنشآت الصحية الحكومية والمجانية.

لذلك عندما نبحث التمييز ضد المرأة في علاقته بالحق بالصحة علينا ان نتعرض لبعض جوانب الحق في الصحة ومنها :

  • مؤشرات صحة المرأة والتمييز.
  • مشاكل هيكل النظام الصحي.
  • اقتصاديات الصحة في مصر.

لكي نتعرف علي حقيقة التمييز ضد النساء في الصحة وهل هو مجرد سلوك مهني للأطباء يمكن علاجه من خلال مدونة سلوك . أم أنه جزء من أزمة النظام الصحي في مصر. ذلك ما نحاول الاجابة عليه بالأرقام خلال الورقة.

مؤشرات صحة المرأة والتمييز

  • عام 2017 تردد 53 مليون علي العيادات الخارجية بالمستشفيات العامة و 17.4 مليون علي الاستقبال بالمستشفيات العامة . ( الجهاز المركزي – مصر في ارقام – مارس 2019).
  • تقرير مؤشر فجوة النوع الاجتماعي  الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي  عام 2013 فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين نجد الدول العربية في أدنى مرتبة بين دول العالم ومن بين 136 دولة يرصدهم المؤشر تأتي مصر في المرتبة 125 تسبقها في الترتيب كل من الأردن ولبنان والجزائر.وجاءت اليمن في المرتبة 136.ولم يتغير الوضع كثيراً في تقرير عام 2014.
  • كما أوضح التقرير بالنسبة للعنف ضد المرأة ان 28% من النساء يتعرضن لعنف جسمي و 17% يتعرضن لعنف جنسي و 62.6% يتعرضن لعنف نفسي وهي أعلي نسبة وسط 6 دول عربية شملت مصر وفلسطين والجزائر والمغرب وتونس وسوريا.[i]
  • أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء بيان صحفي بمناسبة يوم المرأة العالمي عام 2017 وذلك يوم 7/3/2017 وجاء فيه أن 66.6% من النساء المطلقات والمنفصلات تعرضن للعنف النفسي عام 2015، 62.1% تعرضن للعنف البدني ، 29.9% تعرضن للعنف الجنسي.
  • 31 % من بين النساء الحاصلات على مؤهل جامعى تعرضن للعنف النفسي على يد الزوج ، 18.1 % تعرضن للعنف البدني، و 10.2 % للعنف الجنسي.
  • أكثر من ثلثي النساء 68.2 % تعرضن للعنف من قبل مشرف أو مدير فى العمل ، 26.5% تعرضن أيضا للعنف من زميل فى نفس المستوى الوظيفي .
  • في ذكري الاحتفال بيوم المرأة العالمي أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بيان صحفي " من أجل تنمية صحة المرأة " جاء فيه أن 25.2% من السيدات المتزوجات مصابة بالأنيميا.
  • تعتبر العمليات القيصرية أهم إجراء جراحي يمكن أن ينقذ حياة الأمهات وحديثي الولادة، ومن الممكن أن يتم إجراء الولادة القيصرية بتشجيع من جانب النساء أو مقدمي الخدمة الصحية رغم أنه قد لا يكون هناك حاجة لإجرائها، وفي كلتا الحالتين يعد هذا مؤشرًا على تدني الجودة. وعلى الرغم من أنه لم يتم الاتفاق على المعدل الأمثل للولادات القيصرية على مستوى جميع السكان، فإن منظمة الصحة العالمية تعتبر أن المعدل الذي يزيد عن 15 % من الولادات يعد مؤشرًا لتدخل طبي غير ضروري. وفي مصر، صاحب ارتفاع نسبة الولادات التي تتم في منشآت صحية ارتفاعًا موازيًا في معدل الولادات القيصرية. ففي عام 1995 ، كانت 7% من الولادات تتم بعمليات قيصرية، وزادت هذه النسبة إلى 10 % عام 2000 ، ثم  إلى 20 % عام 2005 ، ثم إلى 28 % في عام 2008 ، لتصل في عام 2014 إلى 52 %، وهو ما يشير إلى أن 70 % من حالات الولادة القيصرية في مصر تمت دون وجود ضرورة طبية لإجرائها، وهو ما يشكل ضغطًا غير مبرر على منظومة الرعاية الصحية. ولا تقتصر المعدلات غير المبررة لإجراء ولادة قصرية على الأمهات اللاتي ينتمين لأسر أكثر ثراء بل إن ذلك ينطبق أيضًا على أفقر 20 % من الأمهات اللاتي وصلت نسبة الولادات القيصرية بينهن إلى 38 % أي أكثر من ضعف المعدل  الذي تعتبره منظمة الصحة العالمية مقبولً، ويصل المعدل إلى 48 % في الريف، وإلى        40 % في ريف الوجه القبلي.
  • وجدت دراسة حديثة أن تكاليف الولادة بعملية قيصرية التي تتم في منشأة صحية خاصة وتدفع من موارد الأسرة بلغت 900 جنيه، أي تزيد بمقدار خمسة أضعاف ما يدفع في المنشآت الصحية العامة. واعتمادًا على هذه النتائج فإن عدد حالات الولادة القيصرية التي تتم سنويًا تصل إلى مليون و 344 ألف حالة ولادة،منها 338 ألف حالة مبررة وباقي الولادات القيصرية وقدرها مليون و 60 ألف حالة ولادة تتم سنويًا دون مبرر طبي لإجرائها. وتقدر تكلفة هذه العمليات القيصرية بنحو مليار و 222 مليون جنيه بأسعار 2015. وهو ما يشير إلى أن موارد مالية ضخمة تذهب لتمويل خدمات طبية غير مبررة.
  • بين عامي 2008 و 2014 حدث انخفاض في ممارسات التغذية المثلى بين البنين من 28 % إلى 24 %. وقد استمرت ممارسات التغذية المثلى بين البنات بدون تغيير عند 20 % بين المسحين. وتبين النتائج أنه كان هناك بعض التفاوت في التغذية المثلى بين الجنسين . ومع ذلك فإن تلاشي التفاوت بين الجنسين لا يعني أن جميع الأطفال حصلوا على رعاية كافية، بل على العكس في عام 2014 كان 4 أطفال من بين خمسة من المصابين بالإسهال، وتلقوا الرعاية في المنزل، لم يحصلوا على غذاء أو شراب كافٍ.[ii]
  • تنقسم السيدات المصريات بين تلقي الرعاية الصحية من أماكن تقديم الخدمة الصحية الحكومية
  • ) %45 ( والأماكن التابعة للقطاع الخاص ) 53 %(.
  • تعد الجامعيات هن الأقل ارتياداً لأماكن تقديم الخدمات الصحية الحكومية حيث تبلغ نسبة من تتلقين الرعاية الصحية منها حوالي 26 % فقط مقابل 51 % بين اللاتي لم تلتحقن بالتعليم أوحصلن على تعليم أقل من متوسط.
  • تتطلع 96 % من السيدات المصريات لوجود مكان تحصل منه على خدمة رعاية صحية أفضل، ولا يوجد فرق في ذلك بين من تحصلن على الرعاية الصحية من مركز خدمة حكومي ومن تحصلن عليها من مركز خدمة خاص.
  • واحدة من كل خمس سيدات في مصر لديها تأمين صحي.
  •  23 %  من السيدات اللاتي لديهن تأمين صحي يستفدن منه بصورة دائمة           و 28 % يستفدن منه أحياناً بينما 49 % لا يستفدن منه.
  • واحدة من كل 3 سيدات ترى أن الطعام الذي تحصل عليه غير كافي أوغير جيد.
  • 81 % من السيدات يتطلعن للحصول على طعام أفضل.[iii]

مشاكل هيكل النظام الصحي

تعاني مصر من تعدد الهياكل التي تقدم الخدمة الصحية ما بين وزارة الصحة والجامعات والقطاع الأهلي والقطاع الخاص . كما تتعدد الجهات الصحية داخل القطاع الحكومي التابع لوزارة الصحة لذلك يعاني المصريين من سوء أوضاع الخدمة الصحية وتردي مستوي الخدمة وغياب معايير الحق في الصحة . ورغم وجود مجلس أعلي للصحة تم تشكيله بالقرار الجمهوري رقم 81 لسنة 1978، ويعمل على تقديم وتسهيل الخدمات الصحية المقدمة لمتلقي الخدمة، بغرض التنسيق الكامل مع جميع الجهات التي تعمل في المنظومة الصحية سواء وزارة الصحة أو المستشفيات الجامعية التابعة للتعليم العالي، إضافة إلي مستشفيات القوات المسلحة والشرطة. وقد ظل المجلس معطل علي مدي عقود طويلة حتي عاد للحياة في مطلع 2019 ليتواكب مع التغيرات الجديدة التي استحدثها قانون التأمين الصحي الاجتماعي الشامل بالقانون رقم 2 لسنة 2018 والذي استحدث هيئة للرعاية الصحية تضم كل الجهات التابعة لوزارة الصحة وهيئة للجودة والاعتماد بجانب هيئة التامين الصحي . لكن ظلت المستشفيات الجامعية ومستشفيات القوات المسلحة والشرطة خارج منظومة التأمين الصحي . لذلك زادت أهمية إحياء المجلس الأعلي للصحة لتحقيق التنسيق المفقود داخل القطاع الصحي والذي ينعكس علي العاملين ومتقلي الخدمة . وربما توضح الأرقام حقيقة التغيرات التي شهدها القطاع علي مدي السنوات الماضية.

  • انخفض عدد المنشآت الصحية الحكومية ذات الأسرة من 1,243 منشأة عام 2000 إلي 660 منشأة عام 2010 ووصلت الي 662 منشأة عام 2016. أي ان خلال العقد الأول من الألفية فقد القطاع الحكومي نصف عدد المنشأت الصحية ذات الأسرة التي يمكلها.  
  • يوجد 1,017 مستشفي مملوكة للقطاع الخاص تمثل 60.6 % من المستشفيات في مصر وتضم 32,698 سرير تمثل 25.8% من أسرة المستشفيات في مصر.
  • خلال الخمس سنوات الأخيرة من حكم مبارك فقد الشعب المصري 47% من أسرة مستشفيات وزارة الصحة بعدد 37.4 ألف سرير وفقدت الجهات التابعة لوزارة الصحة 15.1 ألف سرير تمثل 52% من أسرة الجهات الحكومية .
  • أرتفع عدد أسرة القطاع الخاص 2500 سرير ما بين 2005 و 2010 وحدث نمو بمعدل 10% خلال الخمس سنوات .لكن خلال هذه الفترة ارتفعت أهمية أسرة القطاع الخاص إلي أسرة وزارة الصحة من 32% عام 2005 إلي 66% عام 2010 وبما يوضح سيطرة القطاع الخاص علي الاسرة في مقابل التقليص المتعمد الذي حدث في أسرة وزارة الصحة.
  • بيانات 2016 المنشورة في الكتاب الإحصائي السنوي 2018 فقد انخفض عدد أسرة وزارة الصحة إلي 38.1 ألف سرير وبلغت اسرة الجهات التابعة لوزارة الصحة 23.6 ألف سرير وأسرة الجهات الحكومية الأخري 32.1 ألف سرير بينما بلغت أسرة القطاع الخاص 32.7 ألف سرير.
  • نهاية 2016 أصبح القطاع الخاص يسيطر علي 69.3 % من المنشآت الطبية ذات الأسرة ووزارة الصحة لها 18.1% والجهات التابعة لوزارة الصحة 6.1% والجهات الحكومية الأخري 6.5% وبذلك تكون جملة القطاع الحكومي 30.7%. رغم ذلك لازالت وزارة الصحة والجهات التابعة لها والجهات الحكومية الأخري تمتلك 72.7 % من الأسرة بينما يملك القطاع الخاص 27.3% من أسرة المستشفيات .
  • عام 2014 تم إجراء 779,755 عملية جراحية في مستشفيات وزارة الصحة أرتفعت الي 868,103 في عام 2015 وبلغت 1,028,718 عملية في 2016.
  • قدرت وزارة الصحة عدد الأطباء البشريين العاملين لديها عام 2016 بنحو 114,903 طبيب بشري . ولكن العدد الفعلي القائم بالعمل كان 77,579 طبيب حيث يوجد 37,324 طبيب غير قائم بالعمل وهم يمثلون 32.5% من الأطباء البشريين عام 2016.
  • عام 2016 كان عدد هيئة التمريض المقيدين 148,736 ممرضة وممرض منهم 16,355 غير قائمين بالعمل .
  • يوجد في القطاع الخاص 10,994 طبيب دائم و 9,510 طبيب مؤقت وكذلك 14,430 بالتمريض دائم و 4,315 بوظائف مؤقته .
  • لا يوجد تناسب بين عدد مستشفيات القطاع الخاص وعدد الأطباء والتمريض المقيدين كشاغلي وظائف دائمة ويرجع ذلك إلي اعتماد القطاع الخاص علي القوي البشرية بوزارة الصحة من ناحية وعلي كادر الجامعة والعاملين بالجامعات من ناحية أخري ويشكل هذا أحد إشكاليات تدني مستوي الخدمة نتيجة العمل في أكثر من منشاة صحية بالحكومة أو الجامعات والقطاع الخاص.

إذن المشكلة لا تكمن إطلاقاً في اخلاقيات ممارسة المهنة ومدونة السلوك بقدر إرتباطها بمعايير قياس الحق في الصحة .

اقتصاديات الصحة في مصر

لا يمكن الحديث عن الحق في الصحة بمعزل عن قضية اقتصاديات الصحة ومن ينفق علي الصحة.وما تتحمله الدولة وما يتحمله المريض واسرته.وهل تحول التكلفة دون الحصول علي الخدمة الصحية واتاحتها بشكل متساوي للجميع أم لا؟!

من أين يأتى الإنفاق الصحى ؟!

وفق الحسابات القومية للصحة لعام 2007-8 يأتى تمويل الخدمات الصحية من الجهات التالية بترتيب أهميتها: الإنفاق من الجيب 60%[1]، من وزارة المالية 36%، تمويل من أصحاب الأعمال ومن مشروعات قطاع عام ب2% لكل منهما. ويقتصر التمويل الأجنبى فى ذلك العام على 0.6% (والتمويل الأجنبى فى كل السنوات يتراوح بين حد أقصى 3% والحد الأدنى المذكور هنا 0.6%، فضلا عن أنه صفر بالمائة فى بعض السنوات).

هكذا تراوحت نسبة انفاق المواطنين علي الصحة من الجيب ما بين 64.6% عام 2005 و62.6% عام 2010 ووصلت إلي62% عام 2015.

من يدير الإنفاق الصحي ؟!

يدير التأمين الصحى 8% من الإنفاق الصحى بانخفاض قدرة 4% عن الحسابات القومية للصحة السابقة عن أعوام 2002-3، بينما يرتفع الإنفاق من الجيب فى المقابل من 51% إلى 60%.

لذلك فإن المواطنين يتحملون الحصة الأكبر من الأنفاق الصحي والتي تصل إلى حوالى 60%، يليه وزارة الصحة التى تدير حوالى 23% منه، ثم التأمين الصحى 8% كما سبق أن أوضحنا يليها وزارة التعليم العالى (المستشفيات الجامعية) بحوالى 6%. ويبقى عدد من الآخرين (الوزارات الأخرى، المشروعات الخاصة، هيئة المستشفيات والمعاهد التعليمية، المؤسسة العلاجية، النقابات ...الخ) تتشارك فى إدارة أقل من 5% الباقية.

أين يذهب الإنفاق الصحي ؟!

يذهب نصف الإنفاق الصحى مناصفة تقريبا إلى العيادات الخارجية الخاصة والصيدليات الخاصة لشراء الأدوية، فتختص العيادات الخاصة ب24% منه كما تختص الصيدليات ب26%.  ثم تأتى بعد هذا مستشفيات وزارة الصحة بنسبة 18% من الإنفاق وهيئة التأمين الصحى ب8% من الإنفاق الكلى.

ولا يتبقى من المستقبلين الرئيسيين للإنفاق سوى المستشفيات الجامعية (8 %) والمستشفيات الخاصة (7%)، أما النفقات الإدارية لوزارة الصحة فتساوى حوالى 3%. أما الباقى (حوالى 9%) فتذهب إلى جهات متعددة، يهمنا ذكر بعضها حيث يصل نصيب معامل التحاليل إثنان فى الألف ومحلات النظارات و المستلزمات الطبية الأخرى ستة فى الألف. ويخص هيئة المستشفيات والمعاهد التعليمية 1.2% بينما يخص المؤسسة العلاجية 0.7%.

وفي تقرير التنمية البشرية لعام 2014 يرصد ان انفاق المواطنين في مصر علي الصحة من الجيب يعد من اعلي الدول ولم يسبقها سوي بنجلاديش وطاجكيستان والهند ثم مصر في المرتبة الرابعة بينما جاءت 38 دولة في نفس التصنيف المتوسط للتنمية البشرية بنسب أفضل من مصر .

 

 

تطور الانفاق علي الصحة في مصر

اذا قمنا بقياس الانفاق علي الصحة إلي الناتج المحلي الاجمالي والي مصروفات الموازنة العامة وتطورهم نجد الآتي:

  • انخض الانفاق الحكومي علي الصحة الي الناتج المحلي الإجمالي من 1.5% في عام 2012/2013 إلي 1.2% في موازنة العام الجديد 2019/2020.
  • كما انخفضت اهمية الانفاق الحكومي علي الصحة إلي إجمالي مصروفات الحكومة من 5.2% إلي 4.7% خلال نفس الفترة .
  • لذلك ينعكس ذلك علي مستوي الخدمات الصحية وجودتها من ناحية وعلي مدي إتاحتها للمواطنين من ناحية أخري . يضاف الي ذلك غياب العدالة في توزيع الخدمات الصحية بين الطبقات الاجتماعية وبين الاحياء الفقيرة والاحياء الغنية وبين الريف والحضر.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سلوك مهني أم حق في الصحة

نخلص من دراسة مختلف جوانب الحق في الصحة وعلاقته بالنساء والتمييز . أن المشكلة التي تعاني منها النساء في مصر ليست مشكلة مهنية وليست نتيجة أزمة سلوكية  أو أخلاقية بل هي جزء من نقص التمويل وغياب عدالة توزيع الوحدات الصحية ونقص مقدمي الخدمة الصحية وتدني أجورهم وتسليع الصحة وإطلاق يد القطاع الخاص . لذلك فإن الأزمة لن تحلها مدونة سلوك بقدر ما تحتاج لإعمال معايير الحق في الصحة التي أقرها العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتعليق العام رقم 12 الخاص بمعايير الحق في الصحة.

وقد أكد تقرير لمركز العقد الاجتماعي نفس هذه النتيجة حيث قرر أن قطاع الصحة من أكثر القطاعات الخدمية أهمية وتأثير في حياة المواطنين ، حيث انه يؤثر علي نوعية حياة المواطن وعلي الانتاجية والنمو الاقتصادي بشكل مباشر.ويعاني القطاع الصحي في مصر من الكثير من المشاكل أهمها انخفاض الانفاق الحكومي علي الصحة كنسبة من الانفاق العام ونسبة من الناتج المحلي الإجمالي وهي نسبة منخفضة مقارنة بالدول المماثلة. وأوضح التقرير أنه رغم تحسن بعض مؤشرات الصحة في مصر يوجد انخفاض عام في مستوي الصحة يصاحبه زيادة في نسب الأمراض المزمنة لدي البالغين.[iv]

كما أكد التقرير أن إنخفاض الانفاق الحكومي علي الصحة أدي إلي إنخفاض أجور مقدمي الخدمات الصحية ( الأطباء ، الممرضين ، الإداريين ) وبالتالي إنخفاض كفاءتهم في العمل ، واتجاه العديد منهم إلي العمل في القطاع الطبي الخاص.إذن فهي ليست أزمنة اخلاقية او سلوكية أومهنية ومن واقع تقرير مركز العقد الاجتماعي بمركز معلومات مجلس الوزراء .

كما أن غياب البروتوكولات العلاجية المعتمدة ونظام الحوكمة الكلينيكة الذي يحقق التعليم الطبي المستمر وتقييم سنوي لكل العاملين وتحديد واضح لخطوات واجراءات الكشف والفحص والتحويل يؤدي للمزيد من المشاكل التي تحتاج لرؤية شاملة للمنظومة الصحية وقياس ومتابعة لمعايير الحق في الصحة، ورصد مستمر لكل التجاوزات والانتهاكات ، وتعريف متلقي الخدمة كيف يتعرف علي معايير تقييم الخدمات الصحية التي يحصلون عليها. وماذا يفعل عندما يتعرض لإهمال أو لتعسف من أي نوع.

وليس بمدونة السلوك فقط ينصلح حال الصحة في مصر .

إلهامي الميرغني

8/9/2019

المصادر

 

 


[1] - الانفاق من الجيب هو ما يدفعه المواطن من دخله مقابل الحصول علي الخدمة الصحية .

 


[i]  - كوثر – برنامج الخليج العربي للتنمية ( أجفند ) – تقرير تنمية المراة العربية 2015 – المرأة العربية والتشريعات – ملخص التقرير - صفحة 25 -37.

[ii] - معهد التخطيط القومي والصندوق الانمائي للأمم المتحدة – تقرير التنمية البشرية مصر 2016 – العدالة الاجتماعية بين مشروعية التطلعات واستدامة المكتسبات - صفحة 129-130.

[iii] - المركز المصري لبحوث الرأى العام ( بصيرة) سلسلة سياسات تمكين المرأة – الوضع الصحي للمرأة المصرية – العدد 2- أكتوبر 2013.

[iv] - مركز معلومات مجلس الوزراء – مركز العقد الاجتماعي – التأسيس للعدالة الاجتماعية في خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية  - 2013/2014 – محور الصحة .