التمييز ضد النساء من مقدمي الخدمات الصحية

 

 

ورقة بحثية مقدمة من الدكتورة. ناديه عبد الوهاب العفيفي، طبيبة وناشطة نسوية، وقدمتها في جلسة الحوار الثانية "من اجل سياسات صحية تراعي النوع الاجتماعي وإصدار مدونة السلوك المهني لمقدمي الرعاية الطبية في التعامل مع النساء أثناء تلقي الرعاية الطبية" والمنعقدة بفندق سفير بالجيزة يوم 8 سبتمبر 2019 والتي نظمتها مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون.

 

مقدمة:

تعتبر النساء الاعتلال والالم المرتبطين بالوظيفة الانجابية شيء طبيعي وان عليهن تحمل الالام واستمرار اداء ادوارهن في رعاية الاسرة رغم متاعبهن وتترددن في التماس المساعدة الطبية للمشكلات ذات الحساسية مثل المشكلات الجنسية - ويضعن اهتماماتهن الصحية في نهاية قائمة اهتمامات العائلة.

كما تشكو النساء بالأخص في المناطق الفقيرة من افتقاد التواصل او التجاوب مع الاطباء ويشعرن ان الاطباء لا يعطونهن الوقت الكافي ليتحدثن عما يشعرن او كيف يشعرن ؟ ولا يبدون اهتماما بهن  وقد تكون الفوارق الثقافية والاجتماعية  واختلاف نوع الجنس  بالإضافة لضيق وقت  مقدم الخدمة  اسبابا لعدم وجود حوار اكتر صراحة بين الاطباء والنساء من متلقى الخدمة مما يقلل من تردد النساء على المراكز الصحية الا في الضرورة القصوى

 وعادة ما يتناول الاطباء  مشاكل النساء   ببعض الخفة و الشك في جدية الشكوى -  وعدم رغبة الاطباء في الاصغاء -اعتبار مشاكل النساء ماده للترفيه - المعاملة غير السمحة  وقد يكون سلوكهم متعالي على اقل تقدير وفى بعض الاحيان يكون هناك انتهاك  صارخ للنساء  مثال  ختان امرأة اثناء اجراء جراحه لها دون موافقتها المسبقة

بين هذين النموذجين  هناك   عدم  احترام حق النساء في اتخاذ القرار الذى  بخص اجسادهن  واعتبار الذكر ابا او اخا او  زوجا هو المسؤول وصاحب القرار

 كما يفتقر الاطباء للمعلومات التي تتعلق بالظروف المعيشية للنساء   وللسياق الاقتصادي و الاجتماعي والثقافي لحياتهن  و قد يصدروا  توصيات  غير قابله  التحقيق مثل التقيد بنظم غذائية  معينة او الراحة التامة او الاقامة الطويلة في المستشفى مما يقلل من استجابة النساء للخدمة المقدمة .

كما وان الاطباء في مصر مثل أي مجموعة  اخرى  متأثرين بما بدور حولهم من اراء  ثقافية  واوضاع اجتماعية ولم تتمكن العلوم الطبية في توحيد اتجاههم حول قضية صحة النساء واثر التمييز المبنى على النوع على صحتهن

 

سأستعرض هنا بحثا كاشفا لبعض اسباب التمييز ضد النساء من قبل مقدمي الخدمة الصحية  وهو موقف الاطباء من ختان الاناث الذى اصدره مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان 1998  تحت مسمى مبادرات نسائية وقامت به الطبيبتان  الباحثتان : د امال عيد الهادي و د سهام عبد السلام

 

موقف الاطباء من ختان الاناث

اعتمد البحث على قياس توجهات عينه عددها 500 طبيب وطبيبه  بالقاهرة من خلال استبيان شبه مقننه  61% من الاستمارات وزعت على اعضاء هيئة التدريس من الاطباء فى  3 جامعات : القاهرة عين شمس و الازهر  39% وزعت على اطباء  مستشفيات ووحدات صحية بالقاهرة و روعي ان تكون تخصصات  المشاركين في الدراسة ذات علاقه بالموضوع  "اطفال- نساء -جراحه –نفسيه-صحة عامة " 

مثل الذكور اغلبيه بسيطة داخل العينة اختلفت احبانا  باختلاف  السن والوظيفة . حيث زاد عدد النساء في السن الصغير  والوظائف غير الجامعية

الاتجاهات العامة لموقف الاطباء من الختان

 49% يرون الختان اجراء غير ضروري  مطلقا  -31%  رأوه ضروري  لنسبه ضئيلة من النساء – 9% ضروري لنسبه كبيره من النساء -   9% رأوا ضرورته لجميع النساء و حوالى 1% لم يحددوا موقف.   كما اظهرت النتائج تزايد التأييد في الدفعات التي تخرجت  من 1975 الى 1979  بينما شهدت الدفعات التي تخرجت في السنوات الخمس التالية  تراجع  في نسبة تأييد الختان وقد رجحت الباحثات ان يكون السبب  ان هذه الفترة شهدت نشاطا عاما لمناقشة قضية الختان .

حول ضرر الختان على صحة المرأة 42% رأوا ان الختان ضار بصحة المرأة  -27% ضار في بعض الاحوال -11% غير ضار وغير مفيد – 15% مفيد في بعض الاحوال – 5%  مفيد لصحة النساء

موقف الاطباء من ختان بناتهن: اغلبية العينة لم يختنوا بناتهن  لا سباب طبيه او اجتماعية  وعدم ضرورته ولكن المؤيدين للختان افادوا انهم سيفعلون  ذلك في المستقبل و ربعهم قاموا بتختين  بناتهن فعليا . وهؤلاء ساقوا حجج دينية ثم التحكم في السلوك الجنسي للبنات

نسبه ختان زوجات الاطباء والطبيبات المشاركات وصلت 29% تقريبا  وهى نسبة اقل كثيرا من المسح الديموغرافي 1995 الذى تصل نسبة ختان الاناث فبه الى 95%   وهو امر غريب !! هل تعكس هذه النسبة الوضع الفعلي ام تعكس خجل الاطباء من ان تكون الزوجات من المختونات ؟ بالأخص ان قسم غير قليل منهم يتصورون ان الختان اكثر شيوعا في الطبقات الدنيا ؟؟

 العوامل المؤثرة على موقف الاطباء

اوضحت الدراسة ضعف تأثير التعليم الطبي على موقف الاطباء لتلعب الاسرة والمناخ الثقافي العام  الدور الاهم  وتظهر الدراسة ان ما يدركه قسم غير قليل من الاطباء عن قضايا الجنس عموما و عن الختان خصوصا  لا بكاد يختلف عن المفاهيم غير العلمية الشائعة في معظم قطاعات المجتمع التي لم تحظ بما يتيح التعليم الطبي من حقائق حول هذه القضايا .

 

  1.  هناك خلط فيما يخص موقف العلوم الطبية من الختان  وكل طرف بفسر العلم بما يؤيد وجهة نظره من الرفض القاطع للإباحة المطلقة  او الاباحة بشروط
  2. هناك تباين في محتوى التعليم الطبي بين الجامعات المختلفة الازهر والجامعات الاخرى
  3. لا يوجد محتوى معياري لعلم الجنس في الكليات المختلفة بل يخضع الموضوع للمواقف الشخصية للقائمين على تدريسه يؤكد ذلك ان من درسوا هذا العلم لا يعرف غالبيتهم معلومات دقيقة عن وظائف اجزاء الجهاز التناسلي للأنثى

ارتبط الموقف من الختان بموقف الاطباء المنفتح والمحافظ من حقوق المرأة والثقافة الجنسية وفهم الدين ويبدو من البحث ان العامل الأساسي في تشكيل هذا الموقف هو الموقف العام للأسرة التي نشأ فيها الاطباء

وتحدد الدراسة ان اكثر عاملين مؤثرين  هما تعليم الوالدين  والمحيط الحضري  . كما اثر على موقف الاطباء  موقف اسرهم من الختان  فقد ارتفع  تأييد  رفض الختان الى 72%  في الاسر التي لم تختن الاخوات  ويقل تأييد  الختان في الاطباء المنحدرين من اسر لم تختن  بناتها  وقد ارتبط هذا بمستوى تعليم  الاباء و الامهات  وعمل الام  و كون الاسرة حضريه ام ريفيه

 كما يبدوا ان الزواج يرتبط بنقص الميل لتأييد الختان. من جانب اخر يزداد ميل الاطباء الذكور لمعارضة الختان عندما تبوح لهم الزوجات بذكرياتهم الاليمة عن تجربة ختانهن

 اوضحت الدراسة ايضا ان الانتماء الديني له تأثير على موقف الاطباء فغالبية مؤيدي الختان 98% من الاطباء المسلمين وهو امر وثيق الصلة بما تبنته بعض الشخصيات في المؤسسات الدينية عن الموضوع .

 

 

التوصيات  

 

1-اهمية اشتمال التعليم الطبي على  بعض العلوم الاجتماعية الاساسية التي تتيح للأطباء الالمام بالسياقات  الاجتماعية والثقافية المحيطة بالمرضى عموما  وتأثيرها على المرض والعلاج

2- الاهتمام بالتعريف بحقوق الانسان عموما وحقوق الفئات الاكثر تهميشا  مثل النساء  وكبار السن و ذوى الاعاقات

3- الاهتمام بوجود محتوى معياري للعلوم ذات الحساسية الثقافية  مثل علم الجنس تطابق مع المحتوى المأخوذ به عالميا لتلك العلوم

  1. تشجيع ثقافة البوح لدى النساء. وربما يمكن عمل جلسات تتحدث فيها النساء المتضررات من تجاوز او تجاهل مقدمي الخدمة الصحية  لهن ويشارك فيها اطراف من مقدمي الخدمة
  2. دراسة الظروف التي يؤدى فيها الاطباء عملهم والسعي لتطويرها بما يسمح بتحسن الاداء الطبي
  3. مشاركة اجتماعية واسعة لأي اوراق تهدف لعمل مدونة سلوك او ورقة سياسات حول الموضوع لتكون فرصة لنقل الوعي وعمل حراك ثقافي اجتماعي واسع حول القضية