ورقة بحثية مقدمة من الدكتور علاء غنام خبير السياسات الصحية، نانا أبو السعود باحثة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وقدماها في جلسة الحوار الثانية "من اجل سياسات صحية تراعي النوع الاجتماعي وإصدار مدونة السلوك المهني لمقدمي الرعاية الطبية في التعامل مع النساء أثناء تلقي الرعاية الطبية" والمنعقدة بفندق سفير بالجيزة يوم 8 سبتمبر 2019 والتي نظمتها مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، في إطار تنفيذ مشروع "مراكز رعاية طبية امنة للنساء" والممول من الاتحاد الأوربي.
مقدمة:
نتناول في هذه الورقة المحور الثاني الذي تطرحه مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون من أجل إصدار
"مدونة السلوك المهني لمقدمي الرعاية في التعامل مع النساء": هل قانون يلزم مقدمي الرعاية بالسلوك المهني؟ أم مدونة سلوك مهني أخلاقي؟ أم مقترح سياسات تراعي النوع الاجتماعي في مجال الصحة؟
على مدار العقود السابقة، شهد النظام الصحي المصري العديد من الإخفاقات التي طالت كل فئات المجتمع وإن زاد وقعها على المجموعات الساكنة للحدود الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية. يصعب إعتبار النساء فئة مهمشة في مصر أو خارجها في المطلق وعلى أساس تعدادهن؛ ولكن نشير إلى النساء كمجموعة مهمشة آخذين في الاعتبار الموروثات الثقافية والتقليدية المُعنفة للنساء والفتيات ومتصورين حدة العنف التي تطول العديد من النساء قاطنات الهوامش الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتي تؤثر على أهليتهن في إتخاذ القرار وسيادتهن الذاتية وكرامتهن الجسدية.
مشاهداتنا النقدية للواقع تفيد تعرض النساء لعنف مقبول اجتماعياً باسم العادات المتعارف عليها؛ منها على سبيل المثال: تشويه الأعضاء الجنسية "الختان"، تطبيب الختان هو إحدى أشكال العنف المؤسسي ضد النساء ويتجسد فيه نقل الأفراد من طاقم الرعاية لموروثات نشأوا حولها، أكثر من٧٠% من عمليات الختان يقوم بها مقدمي الرعاية[1]. بمعنى آخر، مراكز الرعاية هي إمتداد للمجتمع ويمر بها ما هو مقبول خارجها. ونرى أيضاً الاعتداءات الجسدية واللفظية التي يتعرض لها مقدمي الخدمات أثناء قيامهم بعملهم، وندرك تضاعف هذا العنف على النساء من مقدمي الرعاية والخدمات. دوائر العنف تغذي حلقاتها إعتماداً على فروق إقتصادية وإجتماعية. تحمل الفقرات التالية ما نراه فعال و محاكي للمواقع المختلفة لمقدمي الرعاية ومتلقيها.
جرى العرف باعتبار الصحة أمر يدخل في دائرة الشؤون الشخصية لا العامة، فكانت الصحة تفهم دائمًا على إنها "عدم وجود المرض". وترجع أقدم القوانين التي تتضمن نصوصًا متعلقة بالصحة إلى حقبة الثورة الصناعية في العالم، عندما اعتمدت المملكة المتحدة قانون أخلاقيات المتدربين (١٨٠٢) وقانون الصحة العامة (١٨٤٨) كوسيلة لاحتواء الضغوط الاجتماعية الناجمة عن ظروف العمل السيئة، كما تضمن الدستورالمكسيكي الصادرفي عام١٨٤٣إشارات إلى مسئولية الدولة فيما يخص الحفاظ على الصحة العامة.
ويؤكد دستور منظمة الصحة العالمية على أن"التمتع بأعلى مستويات الصحة التي يمكن الوصول إليها حق من الحقوق الجوهرية لكل إنسان يجب التمتع به دون تمييز على أساس العرق أو الدين أو المعتقدات السياسية أو الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية." ومع مرور الوقت، تأكد هذا الاعتراف من خلال مجموعة كبيرة من الصياغات الواردة في العديد من الصكوك الدولية والاقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان ومنها:
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (مادة٢٥)
- العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة١٢)
- الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان وواجباته (المادة٣٣)
- الميثاق الاجتماعي الأوروبي (المادة١١)
- الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (المادة١٦)
وفي العام٢٠٠٠ قامت لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي الجهة المسؤولة عن ضمان احترام الدول الأعضاء التزاماتهم في إطار العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بإصدار التعليق العام رقم١٤الخاص بالحق في الصحة. وهذه التعليقات العامة تساعد الدول على فهم معنى ومضمون بعض الحقوق الواردة في العهد. وطبقا للتعليق العام رقم١٤، فإن الحق في الصحة لايقتصرعلى توفر الرعاية الصحية، وإنما يتضمن أيضا المحددات والظروف الاجتماعية التي تمكن البشر من حياة صحية مثل الغذاء والسكن والمياه والصرف الصحي الملائم وشروط العمل والبيئة الآمنة والصحية وإمكانية الحصول على الثقافة الصحية والمعلومات الخاصة بالصحة.
ثم أدى التطور الذي حدث عن طريق النظر إلى الصحة كقضية اجتماعية إلى تأسيس منظمة الصحة العالمية في عام١٩٤٦.
ومع تحول مسألة الصحة إلى قضية عامة، تغيرت رؤية الأفراد للصحة وقت قامت منظمة الصحة العالمية بوضع ونشر مفهوم للصحة يقول أنها حالة من اكتمال السلامة بدنيًا وعقليًا واجتماعيًا لا مجرد انعدام المرض أو العجز. وحددت المنظمة منهجًا متكاملًا يربط ما بين كل العوامل المتعلقة بسلامة الأفراد بما في ذلك من الجوانب المادية والاجتماعية المحيطة بهم والتي من شأنها تحقيق الحالة الصحية الجيدة. ويعد الحق في الصحة في منظومة حقوق الإنسان المتكاملة أهم الأطر القانونية الدولية لضمان احترام وحماية حقوق المريض. الحق في الصحة أمر مختلف في أن نكون أصحاء، حيث تتأثر الصحة بعدد من العوامل التي لا يمكن التحكم فيها مثل العوامل الوراثية والسلوك غير الصحي للفرد وبالتالي لا يمكن لجهة واحدة أن تتحمل مسئولية أن يصبح الجميع أصحاء، ولكن من الممكن ارتقاء مستوى صحة الفرد والمجتمع ككل ببناء سياساتنا القومية على أطر العدالة الاجتماعية التي تتسع لتشمل العوامل المؤثرة في تحقيق المساواة.
وضع علاقة مقدمي الخدمة بمتلقي الخدمة في سياق منهجي
توفير الرعاية الصحية هو إحدى الأركان الأساسية لتأمين شبكة حماية اجتماعية لا تكتمل فقط بتوفير بنية تحتية أو ميزانيات قومية، هي تهدف بالأساس إلى تقدير الحياة الإنسانية وتحقيق الرفاه ورقي مستوى المعيشة. وحتى لا نقوم بإختراع العجلة، على مر العقود سُنت سياسات دولية وإقليمية ومحلية تربو إلى حماية حقوق متلقي الرعاية الطبية. يًصبح الاستناد إلى تلك السياسات دمج ذات ثقل وفعال.
لتقييم مستوى الخدمة بالإضافة إلى اعتماد آليات محاسبة ومراقبة ، يجب أن تكون علاقة مقدم الرعاية بمتلقي الخدمة معيارية وقابلة للقياس وأن يكون هدفها الأساسي تحقيق الحق في الصحة. يمكن الإعتماد على عناصر الحق في الصحة المقررة كأساس لوضع تلك الآلية ؛
إن الحق في الصحة حق معياري أي قابل للقياس بموجب مؤشرات توضح مدى تحققه،وطبقا للتعليق العام رقم١٤للعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يتضمن الحق في الصحة أربعة عناصر،وتستخدم هذه العناصر في قياس ما إذا كانت سياسات وبرامج الصحة تحترم الحق في الصحة من عدمه،وتدور العناصر الأربعة حول وجوب أن تكون الخدمات الصحية متوفرة وقابلة للحصول عليها بسهولة ومقبولة وذات جودة.
١.التوافر:
والتوافر هنا يشير إلى وفرة المرافق من مستشفيات ووحدات الرعاية الصحية الأولية والعيادات الخارجية "والمنتجات" والدواء والتطعيمات.. الخ" والخدمات بالقدر الكافي لكل من يقيم في الدولة، ويتضمن ذلك عدد مقدمي الرعاية الصحية "الأطباء والطبيبات والممرضين والممرضات”.
٢.الإتاحة:
أما الإتاحة تعني أن يكون الحصول على الخدمة سهلًا وميسورًا، بما يعني أن كل من يقيم في الدولة يمكنه الوصول إلى المرافق الصحية والحصول على خدماتها ومنتجاتها. "وسهولة الوصول" تعني أن يتمكن كل فرد من الوصول بأمان إلى مرافق الرعاية الصحية،والحصول على منتجاتها بغض النظر عن عمره أو جنسه أو لونه أو عرقه أو مكان إقامته كما هو الحال في المناطق النائية أو في الريف أو في الأحياء الفقيرة. أما سهولة الحصول عليها مالياً تعني أن يكون الحصول على الرعاية الصحية ومنتجاتها في مقدور كل شخص من الناحية المادية، فلا يحرم من الحق في الصحة الفقراء بحكم عدم قدرتهم على الدفع إذ يكون هذا تمييزا على أساس الدخل أو الخلفية الاجتماعية وهو ما ينقلنا للعنصر الثالث.
٣.عدم التمييز:
يجب توفير الخدمات الصحية والمرافق والمنتجات للجميع على أساس عدم التمييز،فلا يجوز حرمان أي شخص من الرعاية الصحية بسبب السن أو العرق أو الجنس أو الحالة الصحية أو غيرها من أشكال التمييز؛ كما يجب أن تكون المعلومات متوفرة لكل شخص بشأن الأمور الصحية وأن تتوفر بالأسلوب واللغة الذي يمكن معه الفهم بسهولة.
٤. المقبولية والجودة:
يجب أن تكون كل المرافق والخدمات والمنتجات الصحية ملائمة ومقبولة ثقافيًا واجتماعيًا، كما يجب في الوقت ذاته أن تكون ملائمة ومقبولة علميًا وطبيًا وذات جودة عالية، يتعين أن يتلقى مقدمو خدمة الرعاية الصحية تدريبًا جيدًا، كما يجب أن تعمل الأجهزة بكفاءة وأن تكون البيئة نظيفة والدواء آمنًا. وليس من الممكن الحديث عن تحقق أي عنصر من العناصر السابقة دون عنصر القبول والجودة، إذ أنه لا معنى لإتاحة خدمة صحية منخفضة الجودة، لأن هذا يجعل منها فارغة المضمون وعديمة الأثر. وينسحب الأمر نفسه على المقبولية الملائمة، فليس من المنطقي أو المعقول أن توفر الدولة خدمة صحية ما وتضمن إتاحتها لا تتمتع بمقبولية ولا تلائم المواطنين، لأن هذا يعني أنها لن تستخدم من قبلهم، وبالتالي لن تسهم في الوفاء بحقهم في الصحة.
حقوق المرضى في مصر - السياق المصري
حقوق المريض أو متلقي الخدمات الصحية مصونة في جميع أنحاء العالم بقوانين أو مواثيق مُلزِمة، محلية أو دولية، يتم بناء المنظومة الصحية على أساسها، وتُحدِد العقد الاجتماعي بين متلقي الخدمة ومقدمها. ولكن مصر تفتقر إلى هذا النوع من الوثائق حيث لا يوجد أي تحديد لحقوق المريض إلا من خلال لوائح شرفية غير ملزمة أو غير مفعلة، تفتقر التأييد الشعبي أو آليات التنفيذ أو من خلال معاييرللجودة قلما يتم اتباعها.
الوثيقة المجتمعية لحقوق المريض المصري
في عام٢٠١٤ دشنت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مشروع للكتابة المجتمعية لوثيقة حقوق المريض المصري. تأتي أهمية هذه الحملة من منطلق غياب أي وثيقة قانونية مُلزِمة موحدة تحدد حقوقًا واضحة لمتلقي الخدمات الصحية في مصر. فمع تزايد حالات الإهمال الطبي والانتهاكات المستمرة لحقوق المرضى والخطر الذي يمثله هذا على صحة وحياة ملايين المصريين وأسرهم، بغض النظر عن مستوى دخلهم أوعمرهم أو محل إقامتهم، لا نجد ما يُلزِم الدولة ومقدمي الخدمة الصحية في القطاع الخاص والأهلي بهذه الحقوق، ولا ما يتيح للمتضرر الحصول على التعويض المناسب، الأمر الذي يهدر حقوق ملايين المواطنين بصورة يومية يعيق إمكانية المحاسبة لمن ينتهك هذه الحقوق، كما إنه يضع مقدم الخدمة في موقع الحرج بصفة يومية ويجعل مستقبله المهني في خطر مستمر.
مقترح مدونة السلوك يضيف بُعد النوع الاجتماعي للجهود المخاطبة إخفاقات النظام الصحي في سياقنا. ومع بدء تنفيذ المراحل الأولى من التأمين الصحي الشامل، هنالك فرصة دستورية لسد فجوة سياسات تحقيق الحق في الصحة وحماية حقوق المرضى. بإلحاق مدونة السلوك لتلقي الضوء على إختلاف مواقع النساء والفتيات في تلقي الخدمة الصحية من خلال وثيقة حقوق المرضى، بنظام التأمين الصحي الشامل. يمكن لنا الاعتماد على دستورية وإلزامية نظام التأمين الصحي الشامل ومرجعيته في اشتراط مواصفات الجودة الصادرة من هيئة الاعتماد والرقابة، في إعتماد إنضمام مقدمي الخدمة لنظام التأمين الصحي الشامل والتي تراقب سلوك مقدمي الرعاية لحماية حقوق متلقي الخدمة.
تطول إخفاقات الرعاية الصحية في مصر متلقي الخدمة ومقدميها سواء، ففي السنوات السابقة قامت مجموعة من الأطباء بالمطالبة بحقوقهم لتحسين ظروف بيئة العمل والتي شملت: إجراءات تأمين للمستشفيات جدية وملائمة وضرورة تحسين ظروف العمل في المستشفيات العامة، من سكن وغذاء، هذا علاوة على توفير الإمكانيات الدوائية والمستلزمات[2]. بلاشك يتأثر مقدمي الخدمة من النساء والرجال بغياب حقوقهم الأساسية ويؤثر ذلك بالضرورة على أدائهم الوظيفي علاوة على تأثرهم بموروثات ثقافية وتقليدية عنيفة تجاه النساء (متلقيات الخدمة) في تأزم واقع النساء والفتيات في أماكن دور الرعاية بشكل لافت عن ما قد يتعرض له أقرانهم. يصبح واقعهن ليس فقط قصور الرعاية الصحية من غياب أطباء ونقص دواء ومستشفيات مزدحمة، بالإضافة إلى انفعالات مقدمي الرعاية جراء ضغوطات العمل التي يتعرضون لها، بجانب تراتبية القهر الاقتصادي والاجتماعي المبني على النوع الاجتماعي الذي يشكل واقعهن المُعاش خارج جدران دور الرعاية. لذا من الضروري أن تشمل هذه السياسة كل تلك الجوانب، حتى يتحقق الحق لمتلقي الرعاية ومقدميها، وأن تحصن تلك السياسة حقوق الأفراد قبل وأثناء وبعد تقديم الرعاية.
وفي ضوء تشكيل سياسة تضمن حق الفرد في الصحة واحترام سيادته الذاتية، نستعرض بعض المقترحات للتصدي لممارسات قهرية، تتأثر بها النساء على وجه الخصوص:
١. الموافقة المستنيرة طواعية
إحتراماً لأهلية الفرد، يجب عرض كل الخيارات المتوفرة والمتاحة لمتلقي الخدمة إحتراماً لسيادته الذاتية وأهليته في إتخاذ القرار. على سبيل المثال: ما يقارب ٥٢% من عمليات الولادة، قيصرية ويساهم في تزايد تلك النسبة عدم معرفة النساء بالاختيار الأخر (الولادة الطبيعية) والتي لا يشاركها الأطباء لأسباباً عدة منها التربح وضعف دخول الأطباء الاقتصادي ولاستهلاك عمليات الولادة الطبيعية وقت زمني طويل.
على سبيل المثال لا الحصر: يشمل هذا المكون ذوي الاحتياجات الخاصة والقاصرات والسجينات والمرضى النفسيين وكبار السن، تتعرض النساء من المجموعة الأولى لعمليات تعقيم قسرية والعديد من الانتهاكات الأخرى، لغياب توفير قواعد مهنية تستجيب لاحتياجات الفرد الخاصة.
الموافقة المستنيرة طواعية لا تُختزل في إمضاءات متلقي الخدمة أو ذويه على أوراق دخول مراكز الرعاية، يجب أن تسبقها وتلحق بها جلسات من المشورة الطبية حتى يتمكن الفرد من اتخاذ القرار المناسب لاحتياجاته.
٢. السرية والخصوصية
أ- تباين إحتياجات طالب الخدمة (مؤسسياً: السجون / دور الرعاية النفسية، فردياً: قاصرة / معايشة إحتياج خاص / الشيخوخة) لا يسلبها حرية إتخاذ القرار، أصبح من الضروري العمل عن كثب لسن سياسة إنسانية تصون كرامة الفرد الذاتية ولا تسلبه إياها وتحولها لذويه نيابة عنه دون موافقة.
ب- في حالة عدم التزام مقدمي الخدمة بسلوك مهني أثناء تقديمهم للرعاية، يجب ضمان سرية المطالبة بالمساءلة سواءا من المعنفات مباشرة أو زميلات وزملاء مقدم الخدمة المعني بالبلاغ لتفادي تفاوت موازين القوة داخل أماكن الرعاية.
ج- يجب توفير دور رعاية تتسع لتحفظ خصوصية متلقي الخدمة بينهم البعض؛ في تكدس المستشفيات والكشوفات الجماعية في المستشفيات العامة تعدي على خصوصية الفرد.
لن يتغير الوضع في ليلة وضحاها، التخطيط استراتيجياً للقضاء على العنف الذي تتعرض له النساء والفتيات في أماكن الرعاية الصحية على وجه الخصوص، يتطلب رسم خط زمني بأهداف قصيرة المدى وأخرى تتحقق على مدار سنوات. أخلاقيات الصحة العامة من رصد بيانات الأفراد دون علمهم أو موافقتهم وأساسيات السلوك المهني لن تتحقق في تجاهل حقوق مقدمي الرعاية أنفسهم، بدءاً بتألفهم المعرفي مع تلك الأساسيات والمبادئ خلال سنوات الدراسة وقبل مزاولة المهنة. بالإضافة إلى ضمان كرامتهم الجسدية وحقوقهم الفردية داخل أماكن عملهم. التغيير المجتمعي ذاته يتطلب مثابرة وتركيز جهود الدولة من أجله ليتحقق؛ عند الدفع بالقانون لتحقيق العدل يجب الإنتباه أن الهدف هو تحقيق العدالة الاجتماعية وحماية حقوق المرضى ومقدمي الرعاية وليس الردع القهري؛ ننادي بضرورة وجودة وثيقة مُلزمة قانونياً من أجل تنظيم العلاقات الاجتماعية في دور الرعاية والقضاء على القهر بأشكاله. من الدروس المًستفادة في التركيز على قضية بعينها دون إعادة هيكلة المنظومات الاجتماعية المتهالكة، في هذه الحالة "الختان"، لم نبلغ مُرادانا بتغليظ العقوبات لأن في الجهود المبذولة سابقاً لم يكن إعادة تصميم التدخلات المجتمعية للتخلص من موروثات اجتماعية قاهرة (يحملها مقدمي الرعاية ذاتهم)، له نفس أولوية القانون.
[1] Trends in Medicalization of Female Genital Mutilation/Cutting: What Do the Data Reveal? - Population Council (October 2018)
[2] بيان صحفي من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية يؤيد مطالب الأطباء في معاملة أفضل لهم ولمرضاهم