ورقة مقدمة من الباحث الحقوقي. مجدي عبد الفتاح، وقدمها في جلسة الحوار الثالثة "من اجل سياسات صحية تراعي النوع الاجتماعي وإصدار مدونة السلوك المهني لمقدمي الرعاية الطبية في التعامل مع النساء أثناء تلقي الرعاية الطبية" والمنعقدة بفندق سفير بالجيزة. يوم الثلاثاء الموافق 10 ديسمبر 2019، والتي نظمتها مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، في إطار تنفيذ مشروع "مراكز رعاية طبية امنة للنساء" والممول من الاتحاد الأوربي.
مقدمة
العنف القائم على النوع الاجتماعي هو أحد العوامل الرئيسية التي تقف حائل أمام تمكين النساء على المستوى الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، كما انه أحد المسببات الأساسية التي يمكن لها أن تعرقل مسار التنمية في أي بلد .
وتعد الخدمات الصحية أحد أهم المؤشرات على جدية وجودة الإجراءات والتدابير الساعية للمساواة ما بين الجنسين داخل المجتمع.
ومن أهم الخدمات الصحية هي الخدمات المتعلقة بالحقوق الجنسية والإنجابية، فهي بالغة الأهمية للنساء والفتيات، لأنها تضمن لهن عيش حياة صحية كريمة، والتصدي للعنف والعلاقات التي تقوم على القوة في حياتهن، وفتح أبواب الفرص لهن. لهذه الأسباب وحدها، يجب اعتبارها تدخلات ذات أولوية. مع أن الحقوق والصحة الجنسية والإنجابية حقوق مهمة في حد ذاتها، يمكنها أيضاً أن تعظِّم احتمالات تمكين النساء والفتيات وتحقيق المساواة بين الجنسين.
فالخدمات والمعلومات، وخصوصاً للنساء والفتيات الفقيرات، تؤثر على إمكانية ممارستهن حرية الاختيار ومشاركتهن الحقيقية في جميع مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
فلن تتحقق المساواة بين الجنسين وتمكين الفتيات والنساء في ظل غياب الحقوق والصحة الجنسية والإنجابية ولن تنعم النساء والفتيات بحياة صحية كريمة، ولن ينعمن بحرية المشاركة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إلا إذا وفرنا لهن ما يحتجن إليه من الخدمات الصحية الجيدة والتنوير والتعليم، مع تهيئة الظروف التي تمكنهن من نيل حقوقهن الإنجابية والجنسية.
فوفق إحصائيات منظمة الصحة العالمية نجد إن محصلة سوء الصحة الجنسية والإنجابية تشكل ثلث إجمالي عبء المرض العالمي للنساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و44 عاماً حيث أن ممارسة الجنس غير المأمون تمثل عامل خطر رئيسي من عوامل الوفاة والعجز بين النساء والفتيات في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل. كما تعاني النساء والفتيات في تلك البلدان من الإعاقة الإنجابية واعتلال صحتهن أكثر من غيرهن، وكلاهما يؤثر تأثيرا سلبياً على نجاتهن من المرض وصحتهن ورفاهيتهن.
مع أن الصحة الجنسية والإنجابية للنساء والفتيات أمر مهم، فإنها تؤثر أيضا على جوانب أخرى من حياتهن، مثل قدرتهن على الوصول لمستويات تعليمية متقدمة والعيش بعيداً عن العنف. فمن الضروري تفعيل الحقوق والصحة الجنسية والإنجابية لينعم النساء والفتيات بصحة جيدة، وليشاركن في التعليم، وليشاركن في جميع مناحي الحياة، بمنأى عن العنف.
العنف والتمييز في تلقي الخدمات الصحية:
تعد الأعراف المجتمعية الداعم الرئيس للعنف والتمييز الممارس ضد الفتيات والنساء، فالأعراف الاجتماعية التي تؤثر بسلب على طرفي العلاقة (متلقي ومقدمي الخدمات الصحية) لها دور كبير في استمرار العنف والتمييز المبني على النوع الاجتماعي.
فالأعراف الاجتماعية التي تملي أدوار المرأة ومسؤولياتها المنزلية تحصر دور المرأة في نطاق الإنجاب فقط، وتمنعها من تخصيص جزء من وقتها للمشاركة خارج المنزل ، يمكنها أن تؤدي إلى زيادة التعرض للاعتلال الصحي المتعلق بنوع الجنس والعنف الجنسي والعنف القائم على اختلال النوع، والممارسات التقليدية الضارة، والظلم في تحمل أعباء الرعاية غير المدفوعة الأجر. وتحرم النساء والفتيات من التمتع بكامل حقوقهن وصحتهن الجنسية والإنجابية على نحو جائر ، وتساهم في عدم حصولهن على حقوقهن وصحتهن الجنسية والإنجابية ، مما يجعل مسالة الاعتراف بالعنف الأسري والعنف الجنسي الممارس من قبل الشريك أمر شائك وشديدة الصعوبة ،وتجعل الإجراءات والتدابير التي يجب أن تتخذها المؤسسات لنبذ العنف الممارس ضد النساء شديدة البطء ، كما أن حالات الوصم والعار التي تلاحق الفتيات والنساء تجعلهن أقل قدرة على البوح بما يتعرضن له من انتهاكات . ويعوق ممارسة حقوقهن الجنسية والإنجابية وقدرتهن على اتخاذ قرارات حرة مستنيرة بشأن حياتهن الجنسية والإنجابية، وبشأن ما إذا كن يرغبن في الأطفال ومتى. إن الحقوق والصحة الجنسية والإنجابية تعني، في جوهرها، أن الأفراد ينبغي أن يمارسوا حقهم ويستعينوا بما لديهم من وسائل في اتخاذ قرارات حرة بشأن حياتهم الإنجابية وتوجهاتهم وميولهم الجنسية، بدون عنف أو إكراه أو تمييز.
2 – ندرة الإحصائيات المتعلق بشكال العنف الممارس ضد النساء يساهم بشكل مباشر في استمرار اشكال العنف والتمييز داخل المجتمع وينعكس بالأساس على مستوى الخدمات والاحتياجات الطبية ، فمسألة جمع البيانات التفصيلية الدقيقة أمر بالغ الأهمية لوضع سياسات مستنيرة للحقوق والصحة الجنسية والإنجابية وتعزيز المساواة بين الجنسين.
فهذه البيانات تعطينا صورة أفضل لما تم إحرازه من تقدم ويمكنها أن تشجع الإرادة السياسية للعمل على الجوانب التي لم تحظى بقدر لائق من التقدم. وفضلاً عن تصنيف البيانات حسب الجنس، فإن تعقب الحاجة غير الملباة لتنظيم الأسرة عن طريق خمس الثروة يمكنه أن يكشف عن أوجه عدم المساواة بين الرجال والنساء ، وغالباً ما تكون خفية غير واضحة للعيان. وإن عدم توفر البيانات عن الشباب والذين تتراوح أعمارهم بين 10 الى 14 عاماً يُعد مثالاً واضحاً يؤكد حاجتنا إلى بيانات مفصلة. وبرغم تعريف الأمم المتحدة «المراهق » على أنه أي شخص يتراوح عمره بين 10 و 19 عاماً، فإن معظم الإحصائيات والتقديرات الدولية المماثلة بشأن حمل المراهقات أو إنجابهن لا تغطي سوى جزءاً من هذه الشريحة – من 15 إلى 19 عاماً من العمر إن تعزيز إمكانية استخراج الإحصائيات الموثوقة والدقيقة في الوقت المناسب، ولا سيما الإحصائيات المتعلقة بالنوع الاجتماعي، لا يزال يشكل تحدياً هائلاً يواجه العديد من البلدان ومن بينها مصر .
3 – تلعب البنية التشريعية الوطنية دور كبير في زيادة أو التصدي لإشكال العنف الموجه ضد النساء ، فبرغم من أن الدستور المصري قد أكد على المساواة ما بين الجنسين في كافة الحقوق والواجبات ألا أن البنية التشريعية المصرية مازلت يشوبها الضعف ونقص واضح في تعريف والاعتراف بكافة أشكال العنف الممارس ضد النساء داخل المجتمع وطرق التصدي لها فعلى سبيل المثال مازلت القوانين المصرية لا تعترف بالعنف الأسري ، والعنف الجنسي الممارس ضد النساء من قبل الشريك ، والاعتراف بحرية الاختيار الحر للتوجهات الجنسية للإفراد داخل المجتمع .
4 – للأسف الشديد لا يتوافر في القوى العاملة الصحية إلا عدد محدود من الموظفين المدربين الواعين حيث يفتقر بعض مقدمو الرعاية الصحية إلى المهارات اللازمة أو التدريب اللازم للاستجابة على النحو المناسب للاحتياجات والمتطلبات خاصة بتقديم الخدمات الصحية للنساء (. وكثيراً ما يشارك أخصائيو الصحة غيرهم في الاتجاهات السائدة داخل المجتمع التي لا تجد غضاضة في تقبل العنف ضد النساء والفتيات ) (. وقد وثقت حالات ازدراء أو إساءة معاملة النساء اللاتي يسعين إلى خدمات الصحة الإنجابية ) (. وأخصائيو الصحة لا يحترمون في أغلب الحالات استقلال وسلامة وسرية النساء ، الناجين/ الضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي ولا يحدث بصفة منتظمة أن يدرج العنف ضد النساء أو العنف ضد الأطفال في المناهج التعليمية المقدمة للمهنيين في مجال التمريض والمجال الطبي ومجالات الرعاية الصحية.
التدابير والإجراءات التي وضعتها مصر لتقديم الخدمات الصحية للنساء :
تعد الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين / والمواطنات وكذلك الخدمات العامة، أحد أهم مقومات عمليات التنمية المستدامة، والتي تساهم بشكل مباشر في حصولهم على فرص عمل لائقة ، من أجل النهوض بالأوضاع ،الاجتماعية، والاقتصادية لكافة المواطنين .
فالوصول إلى أفضل خدمات صحية يمكن بلوغه، هو أحد معايير حقوق الإنسان ،التي أقرتها المعاهدات والمواثيق الدولية ، وفي هذا الإطار يأتي الهدف الثالث للتنمية المستدامة التي أعلنتها الأمم المتحدة ،على مستوى العالم حيث أكدت الأمم المتحدة على " إن ضمان الحياة الصحية وتشجيع الرفاه للجميع من كل الأعمار عنصر لا بد منه في التنمية المستدامة.
واتخذت خطوات واسعة النطاق ، صوب زيادة العمر المتوقع ، وخفض حالات الإصابة ببعض الأمراض العامة ، القاتلة المرتبطة بوفيات الأطفال ، والأمهات، وتحقق تقدم جوهري في زيادة إمكانية الحصول على المياه النظيفة والصرف الصحي، وخفض حالات الإصابة بالملاريا، والسل وشلل الأطفال، والحد من انتشار فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز.
ومع ذلك فثمة حاجة إلى بذل المزيد كثيرا من الجهود للقضاء كلية على مجموعة واسعة من الأمراض ومعالجة الكثير من شتى المسائل الصحية الدائبة والناشئة "
ويأتي ضمان حصول الجميع على خدمات ، رعاية الصحة الجنسية ، والإنجابية، بما في ذلك خدمات ، ومعلومات تنظيم الأسرة ، والتوعية الخاصة به، وإدماج الصحة الإنجابية في الاستراتيجيات ، والبرامج الوطنية بحلول عام 2030 ، أحد الركائز الأساسية لعملية التنمية المستدامة
وبرغم من الخطوات الايجابية التي اتخذتها مصر ، في هذا الصدد بإعلانها الخطة القومية الإستراتيجية للصحة الإنجابية ( 2015 – 2020 ) التي أعلنتها وزارة الصحة ، المعنية بدعم وتعزيز النظام الصحي ، بما يضمن تحقيق الاستدامة المالية ، والسياسية، والمؤسسية اللازمة لخدمات الصحة الإنجابية ، والجنسية ، و رفع الوعي المجتمعي، بالحقوق الخاصة بالصحة الإنجابية لتبنى سلوكيات، واختيارات إنجابية سليمة ، و تطوير ، ودعم برامج الصحة، الإنجابية، والجنسية ، للمراهقين ، والشباب ، آلا أن حجم التحديات ،التي أعلنتها الوزارة ، مازالت قائمة حتى الآن، والمتمثلة في ضعف ، وقلة خبرة مقدمي الخدمات المتعلقة، بالصحة الإنجابية، ونقص جودة الخدمة المقدمة من القطاع الحكومي، والخاص ، والتفاوت في جودة الخدمة الطبية ، بين الوجه البحري ، والقبلي وبين الريف، والحضر والمناطق الأكثر فقراً ، مع عدم كفاية التمويل المحلى، لشراء الاحتياجات السنوية المتجددة ، من وسائل تنظيم الأسرة ، وتدريب الأطباء والممرضات وقلة الموارد المالية المخصصة لتدريب الفريق الصحي، على حزمة البرامج الفنية للرعاية الأولية ،ولدعم برنامج أطباء الامتياز ، وتنفيذ جميع الزيارات الإشرافية ، لجميع المحافظات ، وعدم وجود موارد مالية مخصصة ، لبرنامج دعم الخدمات الصحية، بالمناطق العشوائية ، فضلاً عن ضعف وعى المجتمع خاصةً الشباب بقضايا الصحة الإنجابية.
فوفق تعداد مصر عام 2017، والصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فان 54%، من أجمالي النساء في الريف ،لا يحصلن على خدمات التامين الصحي ، 49 % لا يحصلن على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية
كما بلغت عدد المتزوجات 7,583,807 بنسبة 89.70 %، من إجمالي الفئة العمرية 18 – 30 عاما بينما بلغ عدد المتزوجات القاصرات من الفئة العمرية أقل من 15 عام – 17 عام 11,292,676 بنسبة 42,63 %، من أجمالي النساء المقيمات في الريف
وبلغ نسبة 72,60%، غير متصلات بشبكات الصرف الصحي العامة، فيما بلغت نسبة غير متصلات بمصدر مياه نظيفة ،33,48%، بينما بلغت نسبة النساء اللاتي لا يمتلكن هن، وأسرهم إي وسيلة نقل خاصة 97,49%، كما جاء نسبة 83,79 % من النساء المقيمات في الريف لا يستخدمن شبكة الانترنت، 82,28 % لا يستخدمن الحواسيب، 48,17 % لا يستخدمن الهاتف النقال.
التوصيات:
يعد تقديم الخدمة الجيدة عنصرًا حيويًا في أي نظام صحي. ويختلف التنظيم الدقيق للخدمات الصحية ومحتواها من بلدٍ إلى آخر، ولكن يجب الوصول الى حزمة من السياسات والمعايير الملزمة لكافة القطاعات والمؤسسات داخل الدولة
1 – يجب أن تتضمن القوانين الوطنية كافة أشكال العنف الممارس ضد النساء بما فيها المتعلقة بالعنف الأسري، والمجال العام، والعنف الجنسي الممارس من قبل الشريك.
2 – اعتماد موارد مالية مناسبة لحجم الاحتياجات وتخصيصها وتعزيز الاستثمار في مجال الصحة الجنسية والإنجابية.
3 – إنشاء الوحدات واللجان المحلية للعمل على التوثيق والرصد الدقيق لكافة أشكال العنف الممارس ضد النساء داخل المجتمع.
4 – تدريب ورفع كافة العاملين في مجال تقديم الخدمات الطبية وضرورة تضمين كافة أشكال العنف الممارس ضد النساء داخل المناهج الدراسية لمقدمي الرعاية الطبية.
5 – التنسيق ما بين المؤسسات المختلفة (الصحة – الشرطة – القضاء) لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي.
6 – تعزيز ورفع وعى كافة صانعي السياسات وتوفير البيانات الدقيقة لهم حول العنف القائم على النوع الاجتماعي .
7 – ضرورة مشاركة النساء والناجيات من العنف داخل اللجان المعنية بتطوير التدابير الخاصة بمناهضة العنف ضد النساء.